قزحيةٌ العينينِ لربما أحبكِ يوماً ربما
يا وجهاً من الياقوت
يا وجهاً يغتالني إذ تبسما
أريدُ أن أكتبَ فيكِ كلاما
لا تتسع له الكتب
ولا تكفيه سطور الفُ سمــا
فاعذري فضول القلم
إذا اقتحم عذرية الوصف لديكِ
قد يغدو من الصمت حزيناً متألمـا
تنحدرينَ كغيمةٍ تنازع وجه الفضاء
يا بوح الايمان على حزني قد همَـا
****
قد تكون قصيدتي غير منتهية
لانكِ بغير نهاية
وليـّة الحبِّ أنتِ .. مباركٌ لكِ عرشُ الولاية
حاضرةٌ انتِ وغائبةٌ
جلّ الذي غاب بالدنيا وحضرَ فينا
لكن القلم يعبثُ بأحداث الرواية
"كوني كما أنتِ" ممنوعةٌ من الوصف
و حروفي هذهِ مجردُ ريحٍ أيلولية
تسرقُ توبتي مِن حُضن الخطايـا
يُسافرُ صَوتي في مَدى الوَرق
يلتفُّ ويتكَوّر ويَرسُم الكَلمات
يلملِمُ مِن بقاياهُ البقايا
يجلس على مشارف العينين صامتاً
يرقبُ زرقة الأعينِ تمشط السطورَ
و تقرأُ حروبي وموتي المتكرر
وتناثرُ الدمعِ أجزاءً وشظايـا
****
إني أتلمسُ النور من تواجدكِ
أرسل على مجرى الدموع رفاتي
أن كان ما أعانيه هنا عيشٌ
أسأل الله كيف سيكونُ يا ترى مماتي
أحاول توقيع طلب استقالة من عشقِ عينيك
أني محكوم فيكِ بالتقادم و أكرر حبي لكِ
عبر استقالاتي
فلا كلُّ طالبٍ للموت مشتهيهِ
بل هاربُ من فجوة الاحزان في بؤرة الحياةِ
أكتبُ كل يوم فيكِ قصيدةً .. وما الجديد ؟
أن وصيتي أن أفدن بين أوراقي
وتُسقى الرخامة من عطرِ دواتي
فلا الليل يعرف مدى ألمي
ولا الكواكب تدركُ ما اعانيه
ولا الشعرُ يلبي احتياجاتي
سلامٌ على الابجدية بعدكِ
سلامٌ على الفصحى والبيانِ والتبين ..
سلامٌ و ألف سلام ..
على الحروفِ مستريحةً على دروب السهر ..
على مقعدكِ الفارغ ودخان السجائر
وعلبة التلوين ,,
سلامٌ على أقدارنا المزوّرة ,,
على حُكمنا اللعين ,,
احمل وجهي المنقرض المزايا ,,
مرتحلاً عن فيحائكِ الخضراء
احمل باقة احزاني ,,
وهل يرتدي العاشق غير وجههِ الحزين ,,
أجتر ذاكرتي المحطمة
تسيل على ضفافها عطوركِ
أنهارُ ياسمين ,,
أذوب ألماً ,, أذوب اشتياقاً ,,
أذوب حنين ,,
يستفيق بداخلي عواءُ الزمن
تصلب صدري جراحُ ما على الأرض
من عاشقين ,,
يستحيل دمي إلى اغنية
أوتارها تتقاذفها على نوتة السنين
أحمل خطاي مغترباً من هنا
إلى وطنٍ يعترف بالحبّ كاعتراف الطبيعة
بحسنها المستكين ,,
****
أحملُ خٌطاي و أسافرُ إلى بلادٍ بعيدة
تكون فيه السماء صفحات دفاتري
والنجوم حروف القصيدة
إلى وطنٍ كل فيه مباح
ولا تبكي فيه امٌ على قبر ابنتها العاشقة
على قبر الشهيدة ,,
أسافر إلى وطنٍ لا يسألني عن اسمي
أو جنسيتي أو طائفتي
لا يفتش جيوبي ولا يحقق معي
ولا يدسّ لي الرعب في الجريدة
أسافر إلى وطنٍ تشرقُ الشمس فيه من كل الجهات
إلى وطنٍ ليس فيه محاكمٌ أو سجون
إلى وطن لا يفهم الحبّ أنه خدعةٌ أو مكيدة
إلى وطنٍ كحضن أمي ولهفة أبي
كالفردوس على الأرض هي انعكاس لوجه السماء
تحرسها طيور الله ,, و تذرف عليها الايمان كالتراب
بعد كتابة كل قصيدة ,,
****
أني اخرج من نفسي ,,
ابعث بروحي بعيداً ,, وامزق شراييني
أتقمص النسيم يلفحُ وجه الشجر
يقبل سقوف المساجد ,, يعانق المآذن
يرتمي على حضن النوافذ
يبلله مطرٌ تشريني ,,
أبحث عنكِ من جديد
لاحبكِ من جديد ,, لأرى وجهك مع استفاقة الصباح
يهمي علي كأنه كف الله وعداً بالجنة يهديني
كأنه أيلول تطرق دموعه بابي
يغسل حزني ينسكبُ كالنبيذ على شفتي
يعزف موسيقى المطر ,, يرتدي ألمي عباءةً
يكتبُ على ذاكرتي بوح البساتينِ
****
حينَ احببتكِ ادركت أن اللغة ضيقة
أدركت أن هناك في العمر متسعٌ للحياة
أن لغتي بدأت تكبرُ وتؤول إليها
ملايين اللغات ,,
عرفت سر انغماس الروح بالجسد
عرفت معنى أن يكون الانسان
قطعة من الوقت تنازع عقارب الساعات
أدركت يا (صديقة) أن الحبّ ليس سرير بجسدين
أو رسالة بيد ساعي البريد فيها بعض الكلمات
أو نظرات تتصالب تقطع زحمة الطرق وصولاً إلى الشرفات
ادركت أن الحب هو فنجان قهوةٍ تخرجين منه انتِ كل صباح
كوردة ملونة بالكبرياء ,, عطرها كسرةُ من رغيف الحياة
أدركت حينَ أحببتكِ يا مولاتي
أن ثورة النهدِ أشدّ وطأة من الزلازل
أن أستادرتهُ ليس بفعل الطبيعة
أدركت أن فستانكِ الأسود حصانٌ اسباني
يركض نحوي يمزق صدري يلهثُ على ضفاف المعاناة
أدركتُ أن الارض تدور تماشياً مع انسياب الشعر الطويل
أدركت أن الشمس تشرق لمجرد حاجتكِ للنور
و أنكِ كنتي ومازلتي أميرةً في زمن قلت فيه الاميرات
****
أني أشعر بالتعبِ سيدتي
ذهبتِ بعيداً
وجزء من شفتيك مازالَ على شفتي ,,
وبعض من رائحتك تطوف ملئ المكان
تستسلم لطاغوتها أركان صومعتي ,,
قتلتي في كل ما هو حيّ
و أحييتُ فيك كل ما كان يرضخُ لشبح الموتِ
ماذا يحدثُ لو بتي جزءً من يومي
أو حرفاً يقبعُ في لغتي ,,
انني ما زلتُ تحتَ تأثير هشاشة الحلم
ماذا تنفع امنياتي ,, ان لم تكوني أو كنتي ,,
أني أودعكِ فالوقت قد حان ,,
كيفَ أقولها " وداعاً " لماذا هذهِ المرة بالذات
يخذلني صمتي ,,
أني أعتذر ,, ما عاد في الوقت متسعٌ
لطالما كنا مساجين لدى سطوة الوقتِ ,,
قد تغدو محاولة الحياة انتحاراً
أني مازلتُ أحبكِ
و مشكلتي أنكِ مشكلتي ,,,,,
باسم صديقة اغتالوا حُلمها , بورقة مكتوبة بالحبر السري مُوقعٌ عليها بالحبر السري من أرخص البشر , من اتُهموا بالانسانية وخرجوا براءة , من خولت لهم نفوسهم المهترئة باغتيال حلم وحياة وخيطَ أملٍ يربط بينَ اثنين , طبقاً للمحسوبيات السياسية , ومازال الإنسان مضطهداً , مقموعاً وتبقى الكلمة .
أتحدثُ إليها بلغة النور حتى تستطيعَ أن تفهمني , أسمعها بروحي الباطنية المبتلةِ بالإيمان لأتمكن من ترجمة تراتيل الصلاة في أحرفها , ماذا أخبركم عنها ..؟ هي ككل الأمهات , ما إن تفتحُ عينيها في الصباح تستفيق الطبيعة , يستعيدُ الورد عطرهُ المسلوب و المسجونُ بسواد الليل , هلّ أحدثكم عن قصة أمي وشجرة الياسمين ؟ يومَ اغتّرت تلكَ الشجرة و عانقت عمودَ الحجرِ بمطلعِ بيتنا الريفي الجميل و التفت حولهُ كيدِ عاشقٍ يلقى محبوبتهِ بعد سفر طويل , تدلى من قمة الشجرة غصنٌ أثقلتهُ أزرارُ الياسمين , كعادتها أمي خرجت في الصباح ليسرق الشروق من نور وجهها أشعتهُ الأولى , نظرت إليهِ تلك النظرة التي لا تغيب وكأنها تقولُ له سارع في أشتقاق النور من وجهي عليّ أن أسقي شجرة الياسمين , ثم استدارت وثوبها الأسود المطرز يستدير وتستدير الكرة الأرضيةُ معها , وتلتفُ فراشاتٌ زرقاء وخضراء . تفتحُ صنبورَ الماء لينحدرَ على راحتيّ يديها ثم تلقيهِ برفقٍ على كعبِ الشجرة , يمرُ عشراتُ العشّاقِ بجانبِ الشجرة التي تتكئُ على سور البيت , كلٌّ منهم يقطفُ ياسمينةً لحبيبتهِ , وفي موعدي الأول قطفتُ ياسمينةً و شممتُها , فتخللَ بروحي عطر راحتيّ أمي ... وكانت تتكرر القصةَ كل يوم حتى صارَ هاجسي الوحيد أن أستيقظَ قبل أمي لأراها من نافذة غرفتي المطلة على شجرة الياسمين , وكنتُ أرى قطرات الماء التي تنسلُّ بغفلةٍ من راحتي أمي , فما إن تلامسُ أرض ساحة البيتِ حتى تنبتَ ياسمينةٌ أخرى ..
أمي التي علمتي القراءة والكتابة وكيف أتلو صلاة العشقِ , وكيفَ أكون أنا
بغيرِ أرادة بدأتُ الكتابة وكتبتُ " أمي أسمى آياتُ الله و أخر وطنٍ أسكنهُ و آخرَ رايةٍ تُرفعُ للحرية و آخرَ مثوىً لذكرى جسدي , فليسَ للقصائد نهاية , أمي نهايةُ كل قصيدة وتكملةُ الصباح الممتدِّ بينَ السماء وحجرة الله القمرية "
أتذكرُ أولَ مرةٍ رأيت دموعَ أمي كنت ولداً أكبرَ همومي كرةً طارت خلفَ السور , شعرت حينها بشعور الغمام حينَ يبعثُ المطر , وبشعور الجبالِ حينَ تذوبُ قممها الثلجية , ولكن لم يمنعها بُكائها من أن تبتسمَ لذاك الولدِ الجافل الواقف أمامها الذي رأى شيئاً كانَ يتمنى أن يموتَ قبلَ أن يراه , كانَ صباحاً تشرينياً عوت فيهِ الرياح فتمزقت ورودُ الحوضِ الشتوية التي كانت أمي تربيها بكل رفقٍ , حملتْ رفاتَ الوردِ و وضعتهُ في وعاءٍ مملوء بالماء وعادت تنظرُ إليهِ كأنها فقدت أحداً من أولادها , أدركتُ ثانيةً شدة الوفاء للطبيعة , وعلى أثرِ هذهِ الحادثة جلست تحدثني عن أمٍ في الأرضِ المقدسة تفقدُ كلَّ يومٍ ولداً أو أخاً ..
و كانتْ تأتي لي بكتب الشعر للفرزدق و أبو الرقيات وجرير والأخطل ودرويش .. وغيرهم لتقرأهم لي , كنتُ أجلسُ مستكيناً أنظرُ إلى ذاكَ البريق الذي يستقر عيناها كما تستقرُ ظلالُ شجرةٍ على وجهِ الغدير ,, غيرَ مدركٍ أني سارتحلُ عنهما إلى أبديةٍ شاءها القدر , كل يومٍ أتذكرُ موقفاً فاكتشفُ عن أمي طيبةً اخرى , أمي نبعُ الطيبات
خطت لي أحرفها الأولى وقالت :
كيفَ ادخلُ عليكَ وقلبي بهِ وجعٌ وعيناي في وَجلُ ..
عجّل في خطاكَ يا ولدي أنّ الركبَ قد همَّ مرتحلُ ..
أذهب مسرعاً لتعودَ مسرعاً هذا الفؤادُ ما عاد يحتملُ ..
هذا الغيابُ يطعَنُني وإلى بقائكَ في حضني قد تاهت السُبلُ ..
لمن بينِ اخوتكَ تدركُ ألمي , أنتَ اولهم وفيكَ الرجاءُ والأملُ ..
أن الرحيلَ بات جزءاً من تاريخي ولا يدركُ شعورُ امرأةٍ ألفُ رجلُ ..
يكفي أن أهمس أسمكِ حتى تبتل حنجرتي بالماء , وتسرق البلابل من صوتي سمفونياتِ عشقٍ ستخلدُ في معزوفات الحب الخالدة ...
أمي أنشودة السماء
و أولُ الطيبينَ
و اروعُ الأسماء ..
و طهرُ اليدينِ مقدسٌ
وهذا الحضنُ للصبرِ إناء ..
محكومٌ أنا يا أمي بالذهاب
أنا من باتَ الرحيلُ جزءً مني
و أول بندٍ في قدري والقضاء ..
تسافرُ إليكِ كل صباح آلافُ البلابل
و ملايين الفراشاتِ ونقاءُ النقاء ..
ومنكِ أول الدروبِ إلى الجنة
و أول خطوةٍ لهذا الإرتقاء ..
وهذهِ الرسالةُ السادسة أكبتها لكِ
بحبر العيونِ وحبرِ الدماء ..
أيتها الأرجوانيةُ الساكنةُ
بينَ الأفقِ وشفاه هذا المساء ..
أمي لسان الطبيعة و جرحُ الياسمين
و أنهارُ عقيقِ تجري من مقلتيها
و من هذا الألمُ الدفين ..
أمي عنابٌ ممزوجُ بروح النبيذ
و مساءٌ وردي الشرفاتِ وكأسين ..
وشعلة نارٍ متقدة تحرقُ أحزاني
هل سألتم يوماً أنفسكم
كيفَ يتخلصُ الأبنُ من وجههِ الحزين .. ؟