اللسان
تقوى اللسان : الاجتناب
على اللسان واجباتٌ كثيرة في مسلك التوحيد، أوّلُها لزوم الاجتناب لكل ما فيه معصية لله تعالى. إنّ أهمَّ معاصي اللسان استعمالُه في الكذب، والكذب حسب مفهوم التوحيد كذبان: الأول وهو الأعظم إنكارُ وجودِ الله الواحد الأحد المنزّه ووصفُه بما لا يليق في مقام الإلوهية والربوبية والنسبة إلى هويته المتعالية ما لا يجوز أن ينسب إليه سبحانه ثم إنكار فضيلةِ الرُّسل والأنبياء الهادين إلى معرفة الله تعالى، أو انتقاص سيادتِهم وشرفهم. ثُمَّ التقوُّل على الأخ الحق مما يخرجه من التوحيد. والكذب الثاني هو أن يستعمل الإنسان لسانه في التحدث عن نفسه أو عن غيره بخلاف ما يجري من أمر دِين أو دُنيا، ثم الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو. فالواجب على الموحِّد أن يجنِّب لسانه الكذبين بالكليّة. ثمَّ يمسكُهُ عنِ الغِيبة والنميمة والهزل المِزاح والاستهزاء والمساخر والشَّتم والفوَاحش بأجمعها ولا يجوز للإنسان أن يستعمل لسانه بالثناء على نفسه لأن الثناء على النفس بما فيها هو تشبهٌ بمقام الربوبية والرُّسلية وذلك يُدخِل الإنسان في التكبُّر واستعظام قدْر النفس مما يبعدُه عنِ التواضع ومعرفة ذاته، وقد قيل: من عرف نفسه عرف ربّه. وأما الثناء على النفس بما ليس فيها فهو عينُ البُهتان. وخلاصة الأمر هو أن الإنسان يجب أن يُمسك لسانه عن معصية الله قبل أن يستعمله في طاعته تعالى لأن السكوت عن المعصية خير من الكلام في الطاعة وهذا ما تعنيه العبارة القائلة لو كان الكلام من فضة لكان السكوت من ذهب. ثُم منْ واجباتِ اللسان في مسلك التوحيد أن يعوِّد الصمت، لأنه بالصمت يتمكّن الإنسان من الفِكر حيث يجول في ميادينِ الحقائق، ويسبح في بحارِ العلوم، فيستحصل الجواهر النفسيَّة التي بها حياة الروح، وفي الصمت منجاةٌ من كثير من الشرور،
وقد قال الشاعر:
يموتُ الفتى من عثْرةٍ بلسانه ولا يموت المرْءُ من عثرة الرِّجْلِ
وقيل أيضًا:
الصمتُ زين والسكوت سلامة فإذا نطقْتَ فلا تكنْ مِهذارًا
فلَئن ندمْتَ على سكوتِك مرةً فلْتندمَنَّ على الكلامِ مِرارًا
وقال بعض الحكماء: أعقِلْ لسانَك إلا عن حقٍّ توضِحُه، أو باطل تدحَضُه أو حكمةٍ تنشرُها، أو نعمة تشكُرها.
تابع وصية أفلاطون الحكيم (ص): تُعرَف خساسةُ المرء بكثرة الكلام فيما لا ينفعُه وإخباره عمَّا لا يُسأل عنه ولا يُراد منه. من فكّر في الشرّ لغيره فقد قَبِل الشرَّ لنفسه. لا تسألْ شِريرًا حاجة. كن محبًّا للناس ولا تُسرع إلى الغضب فيتسلَّط عليك بالعادة. لا تؤخِّر إنالةَ المحتاج إلى غدٍ فإنك لا تدري ما يعْترض دون غد. لا تحكم قبل سماع الخَصمين. لا تكنْ حكيمًا بالقول فقط بل كن حكيمًا بالعمل، فإن الحكمةَ التي بالقول في هذا العالم تبقى والحكمة التي بالعمل تنفعك في العالم الآتي. وليس الشرفُ عند الله الحكمة بالقول بل بالأعمال الصالحة. إنْ تعبْتَ في البِرِّ فإن التعب يزول والبِرِّ يبقى وإن سُررت بالإثم فإن اللذة تزول الإثم يبقى.
تقوى اللسان: الاكتساب:
بعد ما يُلزِم الإنسان لِسانَه شطرَ الاجتناب في التقوى عندئذٍ يصحُّ له أن ينتقل إلى شطرِ الاكتساب. إن أوَّلَ ما يجب على الموحِّد بالنسبة للسانه في مجال الاكتساب هو أن يقر وينطق بألوهيّة الله الواحد الموجود المنزه ثم يقرّ وينطق بسيادة الرُّسل والأنبياء الهادين إلى معرفة الله وتوحيدِه وفضيلتهم، ثم يستعملُه في تسبيح الله وحمدِه وشكرِه في سائر الأوقات على نِعَمه وابتلائه، ثم في شكر رسله وأنبيائه المذكورين. وعلى الموحد أن يعوِّد لسانَه الصدق دائمًا والنطق بالحق أبدًا، ويجب عليه أن يستفيد ممن هو أعلم منه، ويسأل عمّا يحتاج إليه لِصلاح دينه ودُنياه. ثم من واجبات اللسان في شطر الاكتساب المذاكرة الدائمة في علوم التوحيد، وفي ذكر مناقب عباد الله الصالحين لأن في ذلك حياةٌ للنفوس. وعلى الإنسان أن يذكر إحسانَ من أحْسن إليه في الدين والدنيا ويُثني عليه بالصّفاتِ الحميدة، فقد قال بعضُ الحكماء في معنى ذلك: أربعة ينبغي على الإنسان أن يذكر منهن اثنَتين وينسى اثنتين، أما اللتان يذكرهما فإحسان الناس إليه وإساءَتُه إلى الناس. وأمّا اللتانِ ينساهما فإحسانه إلى الناس وإساءة الناس إليه. والذي يُعين الإنسان على تقوى اللسانَ هو اجتهادُه في تطهير قلبه أوّلًا لأن اللسان تُرجُمانُ القلب فإذا القلبُ استقام، جرى اللسان على غاية النظام. وإن فسد القلب، لم يسلم اللسان من الكذب.