ما أن جئت إلى هذه الدنيا حتى ضج الناس بي ، وأصبحت لي شهرة واسعة ، وتناقلت أخباري الشفاه وتكلمت عن وصولي القنوات الفضائية وصفحات الانترنت .
سألت نفسي عما يميزني عن إخوتي الأكبر مني سناً كشقيقي فيروس " أنفلونزا الطيور " الذي يكبرني بقليل ، و الذي قطن أجداده أجساد الطيور , بينما قطن أجدادي أجساد الخنازير إذا صح النسب الذي ينسبونني إليه .
كلنا نبحث عن مأوى دافئ و مريح يتوفر فيه الغذاء ،كي ننشئ أسرة و ننجب أولادا و أحفادا ، صحيح أننا عدوانيون بطبعنا و نرغب بالسيطرة على المكان الذي نتواجد فيه و لكنها سنة الحياة ، أليس هذا ما يفعله الكبار كأمريكا و الصغار كإسرائيل .
على الرغم من أنني جئت إلى الحياة كغيري من المخلوقات ، ولم يكن لدي خيار في ذلك ، فقد اتهمت بالعمالة للغرب وأجهزة مخابراته ، وأنني صنيعة المخابر الطبية السرية العسكرية أو المدنية ، التابعة للجيوش العظمى و لمختبرات شركات الأدوية العملاقة .. ربما يكون الأمر كذلك لأنني لم أكن واعيا لحظة ولادتي .
وجدت نفسي سابحا في الهواء خارجا من فم طفل عطس في وجه رفاقه في مدرسة للأطفال ، وعندما شعرت بالبرد لم يكن أمامي إلا أن ادخل الجسد الدافئ للطفل الذي وجدته أمامي عبر جهازه التنفسي مخترقا الغشاء المخاطي وصولا للدم ، لأسبح فيه واصل إلى الخلايا المفضلة لدي في الرئتين ، لأقيم داخلها مستفيدا من تكاثر خلاياها كي أتكاثر معها ، و أحقق شعور الأمومة لدي بإنجاب أبنائي .
ابتعدت عن الأجزاء القريبة من الخارج كالأنف و الحلق و لم أسبب زكاما أو عطاسا كي لا يسهل طردي .
وعلى الرغم من كل فعلته , لم أُلاقى بالترحاب واستنفرت دفاعات هذا الجسم الذي احتميت به لمواجهة كائن ضعيف مثلي .
و على الرغم من أن الأغشية المخاطية للرئتين بما فيها من قوات دفاعية لم تستطع ابتلاعنا لينتج عن جثثنا " بلغم مخاطي " فقد بدأت عضلات الرئتين نتيجة تحسسها من وجودنا بالتقلص مسببة السعال محاولة إخراج البلغم الذي لم يوجد أصلا و فشلت في ذلك فجاء سعالها جافا .
و أدت شدة انفعال الجسم بمواجهتي لارتفاع حرارته ، لتصل خلال ساعات قليلة من دخولي لحوالي 40 درجة مئوية .
أرسل جهاز المناعة اللعين قوات الاستطلاع الذين التصقوا بي للحصول على نسخة من بصماتي كي ينقلوها إلى سيدهم في محاولة للبحث عن سوابقي لديه ، و يرسل لي رجال الفرع المختص بمواجهتي ، فيلتصق بي رجال أمنه و يمنعوني من اقتحام جدار الخلايا .
فلينسخوا مني ما شاؤا فلا يوجد لدى سيدهم أية معلومات عني ، و لا يوجد من الفروع من يستطيع التعرف علي ، فأنا صاحب شكل جديد على احدث الموضات العالمية .
سارع المستطلعون بحمل المعلومات عني إلى سيدهم جهاز المناعة و لكن لعدم وجود مثيل سابق لي ، و لا حتى لقاح يحمل جزءاً من بصماتي ، عجز سيدهم عن العثور على قوات مدربة مختصة بمواجهتي و قادرة على الالتحام بي لإبطال مفعولي ، اضطر جهاز المناعة لرفع جاهزيته القتالية مستدعيا قواته كلها على مختلف أنواعها و بدأت المعركة بيننا ، أنا و أولادي من جهة و قوات المناعة بمختلف وحداتها من جهة أخرى ، فسقطت الضحايا من الطرفين ، قاتلنا بشراسة مدافعين عن حياتنا .
ربما تكون قوات المقاومة صاحبة عقيدة تدفعها للاستبسال في الدفاع عن وطنها و هي موقنة بالنصر ، و لكننا مشردون نبحث عن وطن جديد نستنزف خيراته كي نعيش عليها ، و معركتنا معركة حياة أو موت أيضا .
طالت المعركة ثلاثة أيام ، و أدت مع ارتفاع الحرارة المستمر إلى وهن عام في الجسم و خاصة في المفاصل .
استطاع بعض أبنائي الوصول إلى المعدة مسببين تخريش جدارها فتغيرت آليات عملها ، فوجئوا بالمعدة تتقلص وتطرد ما فيها رغبة في التخلص منهم و لاستعادة توازن عصاراتها ،لم تنجح إلا بالتخلص من بعضهم .
توجه أخرون للأمعاء التي حاولت طردهم بالإسهال بعدما تسببوا بتخريشها و لكن باءت محاولاتها بالفشل .
استغلت بعض الجراثيم المختبئة بانتظار فرصة سانحة , وهي انشغال قوات الجسم و انخفاض عددهم نتيجة حربنا الضروس معها ، وبدأت بالتكاثر والخروج من مكامنها مسببة الالتهابات .
أؤكد لكم انه لا ذنب لنا بهذه الالتهابات و أنها من اختصاص تلك الجراثيم ، وعندما قام أهل الطفل بإعطائه جرعات من دواء فيه مضادات حيوية انقضّت على تلك الجراثيم و بدأت بالقضاء عليها ، و لكنهم لا يعلمون أنها لا تؤثر بنا إطلاقا .
شاء سوء حظي أنني انتقيت طفلا صحيح الجسم معافى لا توجد لديه جراثيم و أمراض قوية كامنة و سرعان ما قضى جهاز مناعته بمعونة أدوية المضادات الحيوية على هذه الجراثيم الحليفة الضعيفة ، و شاء سوء حظي أن أهل الطفل عرفوا أن الوسيلة الوحيدة الناجعة معنا نحن معشر الفيروسات هي تخفيض حرارة الجسم و الانتظار حتى تستطيع قوات المناعة التعرف جيدا علينا و تدريب قوات خاصة تعرف أفضل الطرق للتعامل معنا .
و مع نهاية اليوم الثالث بدأت هذه القوات بالتقدم و بدأ أبنائي بالتقهقر ، خفف الجسم من انفعاله بعدما بدأ يشعر أن نتيجة المعركة أصبحت محسومة و انخفضت حرارته ،و بدأت قواته الخاصة بمطاردة فلولنا ، بقيت لنا بعض القواعد التي بدأت تسقط الواحدة بعد الأخرى و بقيت عضلات الرئتين تتقلص أحيانا لتسبب السعال و تذكر الطفل بوجود فلولنا .
سمعت أن بعض أقراني اختاروا طفلا رضيعا أو شيخا عجوزا أو امرأة حامل أو بالغاً مصاباً بالعديد من الأمراض و قد وهن جسمه ، كان حظهم في المعركة أفضل ، و لكنها كما سمعت حالات فردية قليلة لا تكاد تذكر بالنسبة للأجسام التي هاجمناها و فشلنا في معركتنا معها .
ففي أمريكا التي يفترض أن تكون حليفة لنا كما هي حليفة لصديقتنا إسرائيل ، و اعتادت أن تكون سياستها مشابهة لسياستنا في محاولة احتلال الأجسام و محاولة السيطرة عليها لاستنزاف خيراتها ، كانت نسبة نجاح المعركة ألف إنسان ضحية لنا من أصل مليون إصابة ، و هي نسبة تعادل واحداً بالألف و لا يمكن أن تسجل هذه النسبة كانتصار لنا .
و على الرغم من قيام أمريكا و من يقف بصفها باستغلالنا أبشع استغلال لتحقيق أرباح تجارية من مبيعات الأدوية و اللقاحات التي تحمل أجزاء منا ، فقد أعلنت حالة الطوارئ لمواجهتنا. ربما يكون هذا الإعلان لزيادة مبيعات أدوية شركاتها القابضة.و لكننا و الأمريكان حليفان و من جنس واحد . صدقاً لا نستحق هذه المعاملة منهم.
أشعر باقتراب قوات الجسم الخاصة من آخر معاقلنا ، يبدو أن قدرنا هو الفناء أو العودة إلى أجساد الخنازير موطننا الأصلي ، و ها أنا اكتب لكم آخر كلماتي و أنشر مذكراتي كي تكون عبرة لغيري .
ملاحظة
عذرا إن كانت بعض معلوماتي الطبية مغلوطة فأنا فيروس صغير لم يكتب له الحياة إلا لإسبوع واحد.
نقلاً عن قلم المحامي علاء السيد (رئيس تحرير مجلة عكس السير )