الرئيسيةعرمان وضعوا أنفسهم رهائن...وأنقذوا قريتهم من الدمار
وضعوا أنفسهم رهائن...وأنقذوا قريتهم من الدمار
الكاتب/ معين حمد العماطوري
16/08/2010
تنامت المشاعر الوطنية لدى المقاومين الوطن، بردة فعل على الحالة المتردية التي زرعها الاستعمار في النفوس، والتي كانت تهدف إلى إجهاض روح المركب الاجتماعي في هذه المنطقة والتأثير في جوهر القيم الاجتماعية والمعتقدات الروحية لنسيج الطوائف في الجبل، ولهذا كان السباق بفعل المقاومة والنضال الوطني بعقل فطري، اجتماعي، أمام قوة عسكرية طاغية، بهدف تخفيف الدمار وسفك الدماء، الأمر الذي جعل مشايخ قرية "عرمان" و"أسعد الياس العيد" أن يضعوا أنفسهم رهائن
عن تلك الحادثة أوضح الشيخ "سليمان جمال" الملقب "أبو أيمن" من قرية "عرمان" قائلاً: «اتفقت الرموز الوطنية بمساندة شعبية على قطع اليد التي تساهم في الخراب عن طريق ثقافة مقاومة ووسائلها المتعددة، إذ بدأت الاتصالات بالقرى، وعندما وصل الثوار إلى قرية "عرمان" هب أهلها لاستقبال الضيوف من حدود القرية الشرقية مع قرية "ملح"، ولشدة روح الحماس دفع أحد المقاومين أن يقول لقائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش": "يا باشا ما قلتلك أنو الثورة بدها تنجح"، فقد بدأت بإسقاط طائرتين، الأمر الذي استشاط غضب الفرنسيين وبدأ يعد العدة العسكرية ويتمركز في قلعة "صلخد"، حيث المركبات المضيئة الصاعدة إلى القلعة تدور حولها وتتصاعد إلى القمة، ما أوحى إلى أحد رجالات "عرمان" المرحوم "أمين أبو غانم"، والبيارق والرايات تتقدم، بينما يتم تدمير قاعدة مدفعية ومركز عسكري للفرنسيين، كان هناك عشرات المدرعات تتخذ أماكن لها في المحيط الشرقي للقلعة والذي يطل على البلدة، علم أن القصف والدمار قادم دون تمييز فأسرع المرحوم "أمين أبو غانم" إلى مكان تجمع البيارق وصرخ بقوله: «يا غالمين ترى قوات العرضي قادمة بمدرعات ومدفعية وهي ستحرق الأخضر واليابس»، فوقف أصحاب العقل الراجح من المشايخ المقاومين وأكدوا
الشيخ ابو ايمن سليمان جمال
على إخلاء البلدة من المحاربين ومن السلاح، وانتخى "أسعد الياس العيد" قائلاً: "إنني سأتوجه بمفردي إلى "صلخد" عّليَ أفلح بإقناع القوات بعدم تنفيذ المهمة"، لم يرض مشايخ "عرمان" أن يذهب "اسعد العيد" بمفرده، وقالوا له: "نحن معك يا أبا فارس" وفعلاً تم تشكيل وفداً من رجال الدين ومنهم "أسعد الياس العيد" وذهبوا إلى "صلخد" مركز تجمع قوات الاستعمار الفرنسي، وطلبوا مقابلة قائد الحملة، لم يكن الأمر سهلاً في البداية حتى قدم اسمه "أبو فارس أسعد الياس العيد" ولعله أراد الإيحاء للفرنسيين أنه مسيحي بعدها قُبل الطلب ودخلوا جميعاً على القائد وتحدث مباشرة قائلاً: "يا صاحب السعادة عرفنا إنكم تنون ضرب قريتنا" رد القائد بالقول: "لابد أن نحرق القرية بما فيها" هنا تم استخدام العقل كفكر مقاوم أمام القوة باستخدام لغة الحوار التي تحمل الخبرة الاجتماعية والوطنية حتى تم انتزاع من القائد مهلة، عندها وقف "أسعد العيد" وقال : "أنا عندكم رهينة هنا ولتذهب القوة مع حضرات المشايخ على القرية للوقوف عن كثب انه لا يوجد أحد فيها، لكن المشايخ وقفوا جميعاً وقالوا: "كلنا رهائن لديكم هنا ولتذهب القوة بمفردها"، سيطر المنطق على عقل قائد الحملة ووافق على ذلك، وفعلاً دخلوها خاوية
الأستاذ رياض العيد
من الثوار والمقاومين والسلاح».
وبين المعلم المتقاعد الأستاذ "رياض العيد" أنه سمع من المعمرين في القرية عن جده كيف حمى المقدسات الدينية قائلاً: «عندما دخل الجيش إلى قرية "عرمان" وجدها خالية من السلاح والمقاومين، وكون أهالي القرية من أطياف مختلفة، سمعت عن جدي "أسعد الياس العيد" من احد المعمرين أنه تم إيداع النصوص المقدسة ومجوهرات العائلات للأطياف في منازل المسيحيين وبدورهم أخفوها في حواصل القمح "أي مكان مؤن القمح" وبقيت فترة من الزمن حيث تم إعادتها إلى أصحابها، وبهذه الطريقة سلمت "عرمان" إلا من بعض الاعتقالات الخفيفة، ويعود تخفيف الدمار وانتشار البلاء إلى عقل المقاومين الذين اتخذوا من فكر الثورة والمقاومة عاملاً ليس بالسلاح بل بإتقان وحسن التصرف مع الاستعمار لإنقاذ نساء وأطفال وشيوخ من دمار منازل والقصف العشوائي وما يخلفه».
وعن ثقافة الوطنية والشعور الوطني أوضح المحامي "هيثم العيد" وهو من أحفاد"أسعد العيد" بالقول: «ربما نكون متعلمين أكثر من الثوار القرن الماضي في المدارس والجامعات والأكاديميات العلمية، ونحسن القراءة والكتابة، لكننا لا نملك سرعة أخذ القرار كما فعل المقاومين من أهالي "عرمان" وهذا يعود إلى الخبرة الاجتماعية والبعد الثقافي الاجتماعي النابع من علم التداول في المضافات التي هي الجامعة
أسعد العيد
التي تكسب المرء علماً جديداً وشخصية مبنية بشكل صحيح اجتماعياً وفكرياً ووطنياً، وحادثة جدي "اسعد العيد" تتناقلها الشيوخ والأهالي
فيما بينهم وهذا برأي ثقافة جديدة في تكريس اللحمة الوطنية إذ الفضل يعرفه ذووه، والمقاومة لم تكن بالسلاح فقط بل بالعقل والفكر الذي من شانه تخفيف البلاء والدمار كما فعل الشيوخ بأطيافه المتعددة من خلال خبرتهم الاجتماعية المكتسبة من علم المضافة».