للزواج عادات وتقاليد اجتماعية في جبل العرب، إذ تبدأ بنقد العروس، ثم الخطبة أو "الطلبة"، ثم أكل الحلوى، وعقد القران، وجهاز العروسين، وهي عادة متداولة في "السويداء". أما مراسم العرس فيتخللها عادة أطلق عليها "حمام العريس"، عادة مازالت مستمرة في جميع قرى جبل العرب إلى وقتنا الحالي، يعبر فيها أصدقاء العريس عن فرحهم، ويقدمون له المباركة بزواجه بمشاركتهم الصادقة، ولكن "حمام العريس" كعادة قديمة، لها طقوسها التي تنم عن الرجولة والإبداع، وحل النزعات العائلية، وتكافل اجتماعي، وفي وقتنا الحالي تضمنت تقاليد مختلفة معاصرة مع الحياة ومتطلباتها.
ولمزيد من المعلومات عن هذه العادة أوضح الباحث "هايل القنطار" المساهم في إعداد موسوعة السويداء لموقع eSwueda قائلاً: «تعتبر عادة "حمام العريس" قديمة، تتم على مراحل، إذ يدعى العريس إلى بيت أحد أصدقائه أو أقربائه للاغتسال، أما العروس فغالباً ما تغتسل في بيت أهلها، وفي ليلة سبقت تكون قد حنّت يداها وحنّى معها الكثيرات من صبايا القرية.
عند انتقال العريس إلى البيت الداعي للحمام، يرفع على الأكتاف ويسير الشباب أمامه وخلفه وهم يهزجون، وأثناء الحمام يقومون بتلبيس العريس ثيابه الجديدة ويرددون الأهازيج المترافقة مع إيقاع التصفيق، ويأتي لحنها على نمط الهجيني الطويل التي تحتاج على المد الصوتي، والتي يقول فيها:
يم غسل العرسان ناوشني العبى/ تا لبّسو لحبيبي بعد الخبا
يم غسل العرسان ما عندك عطر / لا رشرشو لحبيبي ضبي العفر".
أي كل بيت منها يتلائم مع لباس العريس وذلك أثناء تلبيس الثياب، وكثيراً ما يكون العريس على فرس، يسير حوله فرسان، ومن خلفهم المشاة، يقصدون ميدان البلدة، أي الساحة، وهي سهل فسيح، ينقسمون إلى قسمين يقف كل منهم في طرف، يبرز فارس من احد الطرفين راكضاً باتجاه الطرف الآخر منادياً: "هيه يا أهل الخيل هنوه "أي باركوا له" يا أهل الخيل"، فيتصدى له من الجانب الآخر فارس، يحمل بيده عصا تشبه الرمح"
الأستاذ هايل القنطار
يحاول لمسه بها، وهنا يسرع الفارس الأول باتجاه جماعته والآخر يطارده، وهذا ما يسمى "بالطراد أو المطاردة" حسب اللغة المحلية، وهناك حالة ثانية يحاول أحدهما سبق الآخر فتسمى حينها "بالمكاشفة"، ويعقب ذلك قيامهم باستعراض حركات فروسية، كتناول حجر من الأرض أو القفز عن ظهر الجواد وهو "مُغير" أي مُسرع، وإصابة هدف معين ببندقية أو مسدس أثناء الجري، وتعتبر إهانة تلحق بالفارس الآخر إن لم يستطع القيام بنفس الحركة.
في حين يكون أهل القرية واقفين على جنبات الميدان وعلى أسطحة المنازل يشاهدون "الطراد"، ويهتفون للمجلين "الفارسين" ويزغردون ويرشون الأرز، بعدها يعاد العريس إلى بيته في مظاهرة من الحُداء والفرح والرقص، بعد أن يكون قد استحم في الوقت ذاته كثير من شبان القرية».
وعن الظواهر الإيجابية لتلك العادة تابع "القنطار" قائلاً: «هناك ظاهرة هامة، وهي على العريس أن يزور المنازل المحاذية على الصفين اليمين واليسار، من منزل الذي دعاه أي "الأشبينه"، حتى يصل لمنزله، تلك الظاهرة كانت تساهم في حل النزاعات والخلافات بين العائلات، إذا وجد بينهم خلاف، أي يلزم على العريس الدخول إلى المنازل جميعها وفق الاتجاه المحدد وبالتالي يكون دخوله تعبيراً عن المصالحة.
أما المسؤول عن زينة العروسين وسلوكهما طوال أيام العرس هما "الأشبين والأشبينة" اللذين يكونان من أحد أصدقاء العريسين أو أقاربهما، ومهمتهما أيضاً تنبيه العروسين إلى الوقوف عند قدوم الزائرين احتراماً لهم، والإجابة عنهما برد
العروس بزيها العربي
التهاني والمباركة، وإذا وقع خطأ من أي من العروسين فعلى "الأشبين" أن يدفع ترضية لمن وقع الخطأ في حقه، أما اليوم فتلك العادات اقتصرت على طقوس بسيطة يتخللها تناول الطعام والغناء، وتقتصر فقط على رفاق العريس».
وعن الطقوس الحالية بين الأستاذ "مفيد الجباعي" عضو مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث قائلاً: «تطورت عادة "حمام العريس" بين القديم والحديث، وأصبحت تمارس بشكل يختلف عما كانت عليه سابقاً، من حيث إقامة "الطراد"، باختلاف وسائل التعبير عن الفرح، حيث تم إلغاء إطلاق العيارات النارية، واقتصرت على توجيه الدعوة إلى العريس ورفاقه، وتقديم المأكولات الشعبية والحلويات المترافقة بالأهازيج والغناء الشعبي التراثي من أنواع "الجوفية، والهولية، والعزف على آلات الناي والمجوز"، معبرين عن فرحهم له، ثم ينقل بوسائل النقل المختلفة إلى منزله لحين موعد الزفة، وعادة تكون عند العصر أو ما بعدها، إذ يقوم باصطحاب عروسه من "كوافيرا" إلى صالة الفرح، والجاهة والأهل والأصدقاء يهزجون ويغنون لهم حين دخولهم، أو من منزل والد "العروس" وتجرى طقوس زفة العروس، إلى صالة الفرح المخصصة كذلك الجاهة يتنظرون وصولهم ويستقبلونهم بالغناء، وهذه الطريقة تمارس في جميع قرى جبل العرب، واليوم باتت هذه العادة في طي النسيان لأن أدوات الحياة اختلفت مع تطور العصر، واقتصرت على دعوة العريس لأصدقائه فقط لتناول الطعام والغناء فيما بينهم».
وعن طقوس "حمام العريس" ومراسمه هذه الأيام بيّن الشاب "معن
معن جابر
جابر" بالقول: «ما زالت مراسم الأعراس والأفراح هذه الأيام تعبر بطريقتها عن الابتهاج والسعادة للعروسين، وهي تختلف عما كانت عليه سابقاً، إذ لا بد للمجتمع أن يتطور عبر انتشار الثقافة، لكن ما زالت عادة "حمام العريس" موجودة عند الكثيرين وهي تمارس في الأعراس التي تقام، في قرى محافظة السويداء، ولكن بطريقة مختلفة قليلاً عن الماضي، لقلة استخدام أدوات الطراد على سبيل المثال أي الخيل والميدان وغيرها، لكنها ما زالت عادة محببة ومرغوبة من قبل الشباب لأنها تعبر عن مشاركتهم لصديقهم بأمانة وحب».