زخات المطر

[ماهر زيدان]

هناك في ذلك البيت الدافئ ...
جلست طفلة صغيرة على نافذة غرفتها الهادئة ...
تتأمل الحياة ...
وفجأة طرقت نافذتها زخات المطر ...
قطرة ..قطرة ...قطرة ...
كم هي رائعة تلك النغمات التي تحدثها زخات المطر المتراقصة على حافة النافذة الصغيرة ...
كان قلب تلك الصغيرة يرقص معها طربا وفرحا ...
فتحت نافذتها ومدت يديها الصغيرتين لتمسك حبات المطر المتناثرة ...
تراقصت الزخات على كفيها الناعمتين ...وتعالت ضحكات الطفلة الصغيرة...
صغيرة هي حقا ... وتحب المطر ... فالمطر يعني لها المرح ...
في الغرفة المجاورة ... جلست عجوز ... كانت قد تاهت بفكرها نحو ذكريات الماضي ...
كانت زخات المطر تطرق أذنيها المتعبتين ... لتذكرها أياما خلت وحنينا إلى الأحبة الذين لم يعد لهم وجود في حياتها ...
أحبة لطالما شعرت بالدفء بقربهم ...
وهي الآن وحيدة من دونهم ...
كانوا حقا يؤنسون وحدتها...
اختفى صوتهم ...واختفت ضحكاتهم ، واختفت كل اللحظات التي قضتها معهم ...
وها هي الآن تستعيد هذه الذكريات... وتلهمها نغمات زخات المطر نغمات أصوات الأحبه الذين غابوا دون رجعة... وها هي الآن تميل برأسها على أريكتها لتعيش على رقصات المطر ذكرياتها الجميلة ...
دافئة هي هذه العجوز ... فزخات المطر تعني لها الأنس ...
كان ذلك الفلاح حزينا ... يترقب زخات المطر بلهفة ...
كان كل يوم يتطلع إلى السماء ... يراقب كتل السحاب الزائرة ...
ولسان حاله يقول: قطرة فقط أيتها الغيمة ...قطرة فقط ...
وراءنا أرض ... ووراءنا غنم ...ووراءنا عيال جياع ...
كانت زخات المطر هدية السماء إليه ... لتهبه الحياة ...
وتراقص الفلاح فرحا وسرورا وغنى على ايقاع الزخات أغاني العطاء ...
مثابر هو ذاك الفلاح ... فزخات المطر عنده تعني العطاء ...
كان على الشارع رجل يسير ... قد انحنى ظهره من ثقل الهموم ...
كان في شوق لأن يجود بدمعه بغزارة ... ولكنه خجل أن يلحظ أحد ضعفه ...
فكبت حزنه وأنينه في أعماقه .. حتى كاد أن ينفجر ...
كانت زخات المطر تتهافت على عينيه ...كأنها تشجعه على البكاء ...
كأنها تقول له ... لا فرق بيني وبين دموعك ... فابك ...
أنا سأسترك ...فلا أحد يفرق بيني وبين دموعك ...
هيا ابك ... واهطل يا دمعه بغزارة ...
واغسل أدران الهموم التي أثقلت صدره ... كما أنقي الأرض من بقايا الطين ...
مسكين هو هذا الرجل ... فزخات المطر عنده ... تعني الدموع المتسترة ...
و هناك رجلا مؤمنا ذاكرا متأملا خلق ربه مسبحا
جاءته زخات المطر بنسيم يحملها و هو على ذكر الله دائم
روحه أنست و قلبه حلق
فيالا سعادة هذا الرجل فزخات المطر تذكره بذكر الرحمان حبيبه
لكل شخص منا حكاية مع المطر ...
قد تكون حزينة ...
وقد تكون سعيدة ...
ولكن في النهاية ... تتراقص زخات المطر على إيقاع نبضات قلوبنا ....
فيا ترى ماذا تعني لك زخات المطر ...؟؟؟