علاقة الحب بين الورود والحشرات

من المستحسن أن تزوروا في أحد أيام الربيع المعتدلة البساتين والمزارع الخضرا اليانعة 0 هنالك ستلاحظون مجموعات من الحشرات الصغيرة , كالنحل , والذباب , والفراشات , والبعوض , تغدو وتروج في اتجاهات مختلفة , تنتقل من زهرة إلى أخرى ومن غصن إلى آخر 0
إنها منهمكة في حركاتها هذه حتى ليخيل إليك أن قوة غامضة تراقب حركتها ( مثل متابعة رب العمل لعماله ) لايكف عن إصدار الأوامر إليها 0 إن أرجل بعضها وأجنحتها تتلوث بالدقيق الأصفرالموجود على الزهور فتبدو كأنها من العمال الذين يرتدون رداء العمل الأصفر وهم منهمكون بأداء أعمالهم 0
في الواقع أنها تقوم بأعمال مهمة فعلا , إن أعمالها من الأهمية بحيث أن البروفسور ( ليون برتن ) يقول :
" قلما يعرف الناس أنه لولا الحشرات لبقيت سلالنا خالية من الفواكه " 0
ونحن نضيف إلى قوله ذلك قولنا :
" ولفقدت بساتيننا ومزارعنا لعدة سنوات ماكان لها من خضرة وطراوة " 0
فالحشرات , إذن لها الدور الكبير في ايجاد الثمار من خلال نقل حبوب اللقاح بين الزهزر 0
ولاشك أنكم سوف تسألون : كيف ؟ والجواب 0 إن أهم عمل حياتي في النبات هو عملية ( اللقاح ) , وتتحقق بمساعدة الحشرات 0 ولعلكم تعلمون أن الأزهار , كالكثير من الكائنات , تنقسم إلى الذكر والأنثى , ومالم يتم اتصال وتلقيح بينهما فلن تكون هناك بذرة ولاثمرة 0
ولكن هل خطر لكم أن تفكروا في أقسام النبات المختلفة , التي لاتحس ولاتتحرك , كيف ينجذب بعضها نحو البعض الآخر وكيف أن حبوب اللقاح , التي تمثل ( حيامن ) الذكر تتحد مع ( البويضة ) الأنثوية في النبات كمقدمة للتزاوج ؟
هذه العملية في كثير من الحالات تقوم بها الحشرات و وفي حالات أخرى تقوم بها الرياح , ولكنها ليست بهذه البساطة التي تبدو لنا , فهذا الزواج المبارك الكثير الخيرات , والذي يتم ( بوساطة ) الحشرات , له تاريخ ومراسيم وتطورات طويلة مثيرة للعجب , وسوف نتناول جانبا منها :
صديقان حميمان قديمان

بعد كثير من البحوث والدراسات , توصل علماء الطبيعة إلى أن النباتات والأزهار ظهرت في النصف الثاني من العصر الجيولوجي الثاني 0 والعجيب أن تلك المرحلة شهدت ظهور الحشرات أيضا , ومنذ ذلك اليوم وعلى امتداد تاريخ الخليقة الطويل استمرت النبتة والحشرة صديقتين حميمتين وفيتين لبعضهما الآخر , تكمل أحدهما وجود الأخرى 0
فلكي تستاثر الزهرة بحب صديقتها الحشرة وتجتذبها نحوها و ( تحلي فمها ) كما يقولون , فإنها تختزن ( رحيقا ) عذبا , طيب الطعم في داخلها 0 فعندما تقوم الحشرات بالتنقل من زهرة إلى أخرى تمهيدا لعملية اللقاح , تضع أرجلها في داخل الزهرة , فتستقبل هناك برحيق حلو لذيذ الطعم بحيث أن الحشرة تنجذب إليه دون اختيار 0
يرى بعض علماء النبات أن للون الزهرة ورائحتها دورا مهما في اجتذاب الحشرات إليها , فقد أثبتت التجارب التي أجريت على النحل قدرة هذه الحشرة على تمييز الألوان والروائح 0
وفي الحقيقة أن الأزهار هي التي تتزين وتتجمل من أجل الحشرات لكي تلفت انتباه الفراشات والنحل التي يعجبها اللون والرائحة والطعم , فتستقبلها في أحضانها وتهيء الأمور لعملية الزواج وتتناول مأدبة طعام الزواج أيضا 0
إن ( حلوى ) الزواج هذه من أفضل الطعام للحشرات , وبخاصة النحل , وبتراكمه يكثر العسل و فالحشرات عند حضورها حفلة الزواج تأكل شيئا من طعام العرس , وكالضيف الجسور , تأخذ بعضا من ذلك الطعام معها أيضا إلى بيتها تختزنه فيه 0
إن عهد الصداقة بين الزهرة والحشرة , والقائم على تبادل المنفعة , كان وسيبقى كذلك 0
عندما يلاحظ الانسان هذه النكات العجيبة في حياة الحشرات والأزهار , يتساءل دون إرادة : ترى من الذي أبرم عقد وعهد الحب والصداقة بين الأزهار والحشرات ؟
هذه الحلاوة الخاصة والرحيق اللذيذ , وهذه الألوان الزاهية المختلفة الجذابة , وهذا العطر المهيج , من الذي وهب كل هذه المميزات للأزهار ؟ ومن ذا الذي هدى الحشرات إليها , وجعلها تتذوقها ؟
من الذي أعطى لهذه الحشرات وللفراشات , وللنحل , وللزنبور الأصفر , أرجلها اللطيفة الظريفة وجهزها بمايتيح لها أن تنقل لقاح الازهار من مكان إلى مكان ؟
لماذا يتجه النحل في فترة معينة إلى نوع معين من الأزهار ؟ لماذا بدأ تاريخ حياة الحشرات والأزهار في وقت واحد في عالم الخلق ؟
هل يمكن لأي أحد مهما كانت درجة عناده ومخالفته أن ينكر بأن كل ذلك قد جرى بدون تخطيط مخطط ؟ هل يعقل أن يحدث كل هذا الذي أصبح محيرا للعقول بشكل عشوائي هل يمكن للطبيعة أن الغير العاقلة أن تصنع ذلك , والجواب كلا وألف كلا 0!
يقول القرآن الكريم :
[ وأوحى ربك إلى النحل أن إتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا ] 0