الفصل السابع
استيقظ نبيل متأخرا في تمام الساعة الثانية عشرفهو لم ينم ليلة البارحة بسهولة فقد كان فكره مشغولابتلك الحسناء التي عرفأن اسمها زمردةـــ يا إلهي.. لقد تأخرت في النومنهض من فراشه وتناولوعائا مليئا بالماءوغسل وجهه ثم بقي واقفا ينظر حوله وهو يفكر:
لماذا لاأستطيع أن أنسى ما حدث؟!
أوه كم أشعر بالضيق،ولكن تلك الفتاة إنها...آه كفى كفىتراجع للخلف واقترب من سريره وجلس متهالكا عليهوغطى وجهه بيديهـــ ربماكان ماجد محقا!
لماذا أحاول أن أتجاهل الحقيقة؟ربما يجب ان...
قفزواقفا بسرعة وقد علا وجهه الحماس والثقةثم انطلق خارجا من غرفته وهبط الى منزلصديقهوطرق البابسمع صوت أماني تجيب: من بالباب؟ـــ هذا أنانبيلوما أن انفتح الباب قليلا حتى طلت الطفلة الجميلة لولوبوجهها البشوشوابتسمت ثم اقتربت من نبيل،ثم طلت والدتهاـــ آه أهلا نبيلابتسم نبيلخجلا:
عذرا على الإزعاج...هل...
لم يتم كلامه لأن الطفلة أخذت تشده وترفعذراعيها ليحملهاارتبك قليلا ثم انحنى ورفعها بينما أسرعت أماني وقالت:
لولوكفي عن إزعاج الضيفـــ لا ليس هناك أي ازعاج..هل عاد ماجد من عمله؟ـــ أجلولكنه نائم، تفضل سوف أوقظه الآنـــ آه لا لا...لا تقلقي راحتهـــ لا عليكلقد طلب مني إيقاظه في هذا الوقتأحس بالحرج الشديد وقال:
حسنا سوف آتي فيمابعدـــ لم لا تدخلـــ لا لا...إنه..أعني لقد أتيت في وقت غير مناسبـــأبدا..على كل حال سوف أخبره بأنك أتيت لرؤيتهـــ شكراأنزل نبيل الطفلةليهم بالذهاب لكنها تشبثت به وأخذت تبكيـــ أوه كفى يا لولو هذا تصرف سيء،أنتيتضايقين العم نبيلازداد حرج نبيل وقال: عفوا..
هل أستطيع أن آخذها الىغرفتي؟يبدو أنها ترغب بزيارتيـــ لكني أخشى أن تزعجكـــ على العكس سوفتؤنس وحدتيشعرت أماني بالحزن لحال نبيل ثم قالت:
حسنا، اسمعي يا لولو سوفأسمح لكي بالذهابمع العم نبيل شرط ألا تتعبيه وكوني مهذبةردت الفتاة علىأمها بصوتها البريء: حاضر ماماـــ شكرا لكي سيدة أمانيـــ العفو،الىاللقاء صغيرتيلوحت الطفلة بيدها الصغيرة لأمها ثم أمسكت بيد نبيلالذي صعدمعها الى غرفتهوعند باب الغرفة أفلت يدها ودخل،أما هي فقد وقفت تتأملالغرفة بعينين فضوليتينخطت قليلا بينما جلس نبيل على سريره يراقبهاسارتببطء وهي تجول بنظرها أرجاء الغرفةالى أن وقفت أمام نبيل الذي بادرها بابتسامةعريضة وقال:
اقتربي يا صغيرتيبقيت تحدق به دون أن يحمل وجههاأيتعابير عما تشعر بهـــ تعالي لماذا تقفين عندك؟شحب وجهها وتدلت شفتاهاللأسفل وكأنهاتريد أن تبدأ بالبكاءلاحظ نبيل ذلك فأسرع اليها وحملها بينذراعيهثم جلس وأجلسها في حضنهـــ مابك يا حلوتي كنت تتشوقين للمجيء الىهنا!!
أوافقك في أن المكان موحش ولكن ليس لدرجة أن تبكياجتمعت الدموع فيعينيها ونطقت أخيرا بصوت خائف:
أريد ماما... أريد ماماثم أخذتتبكيارتعد نبيل حين لفظت الفتاة كلمتها وظل يتأملهاحاول تهدئتها فقالمداعبا:
هل تحبين أمك؟رفعت الطفلة رأسها اليه وأخذت تنظر اليه بوجههاالباكيوهي تفرك عينيها بكفيها ثم قالت:
أحب ماما وأريد الذهاب اليهافيهذه اللحظة غطى الأرض خيال شخصفالتفت نبيل الى باب الغرفة المفتوححيث كانصديقه ماجد واقفا مبتسماـــ يبدو أن لولو تحبك يا نبيلوما أن سمعت الطفلةصوت أبيها حتى قفزتمن بين يدي نبيل وأسرعت اليه:
بابا أريدمامااستقبلها ماجد ورفعها وقال وعيناه تلمعان:
يبدو أن الجميع لايستطيعون الإبتعاد عن أمهاتهم،كما أن أماني قالت لي قبل ثوان أنها اشتاقتلإبنتها.
استدار ماجد فورا دون أن يرى ردة فعل نبيل الذي فهم قصدهـــ انتظريا ماجدـــ سآخذ لولو الى أمها وأعود، هيا بنا لولوترك ماجد نبيل فيصراعاته وعاد بلولو الى بيتهحيث كانت أماني بانتظاره وما أن رأتها لولوحتى صارت تبكي فأخذتها أماني وعيونها تدمعـــ كفى يا حبيبتي انتي معي ولنأترككي أبداابتسم ماجد وقال:
هونا عليكما فأنتما لم تفترقا أكثر من خمسدقائقضحكت أماني وقالت:
صحيح،ولكني اعتدت عليها ولم أعد قادرةعلىفراقها لحظة واحدةـــ آه فاليحفظها الله لنا، سأعود الى نبيلـــ أجل أظنهبحاجة ماسة لك وإلا لما جاء يطلبك،لقد لاحظت أنه يحتاج لمن يفضي له ما فيقلبه،اذهب وساعده ماجد لعله يعاود التفكير في أمهـــ أنتي طيبة القلب ياأمانيأتمنى أن يعقل ويفكر بشكل صحيح، سأذهب الآنكان نبيل لا يزالجالسا مكانه مطأطئا رأسهسارحا حين دخل ماجد حاملا معطفا بنياـــ لقد أصبحالجو باردا يا نبيل لا يجب أن تُبقي الباب مفتوحاثم وضع المعطف على المكتبالصغيروجلس بجانب نبيل الذي لم يبدي أي حركةـــ والآن يا نبيل كلي آذانصاغية،تفضل أَخرج كل ما في قلبك وأخبرني بما يجول في خاطركرفع نبيل رأسهببطء وقال:
كم أنا سعيد بوجود صديق مثلك يا ماجدابتسم ماجد وقال:
لا تنسى أنك صديق طفولتي ولا أستطيع الاستغناء عنكـــ شكرا ماجدشكراـــ والآن هيا ماذا تريد أن تقول؟ـــ أردت أن...لا...لا أعلمتماما..
ـــ دعني أقل لك أنا،أنت تفكر في أمك أليس كذلك؟احمر وجه نبيلوأجاب: نعم..نعم...وكذلك في..
وأقلع عن الكلامفتابع ماجد عنه:
في الآنسةالتي قابلتها..بالمناسبة هل عرفت اسمها؟ـــ أنا لم أسألها وهي لم تخبرني ولكنيعرفتهضحك ماجد وقال: وكيف عرفته مادام الأمر كما تقول؟ـــ عندما أخرجتكنزها الصغير قرأت خلف الصورة اسمهاـــ وما اسمها؟ـــ زمردةالشاكرتفاجأ ماجد: ماذا؟هل أنت متأكد؟ـــ مابك هل تعرفها؟ـــ أنالا أعرفها شخصيا ولكن هذه الفتاة قصتها معروفةفي هذه المنطقةـــ وهل لهاقصة؟ـــ أجل قصة وفاة أمها وحزنها عليها،هل تعرف أنها حبست نفسها خمسسنوات حزنا على فراقها؟لذلك أستغرب أنك صادفتها في الطريقترى هل أنهتفترة حدادها؟!
بقي نبيل يحدق بماجد مصدوما بما سمع وقالوكأنه غير مستوعبلكلام صديقه:
يا إلهي..خمس سنوات؟!! أيعقل؟!
ـــ تظن أن فقد الأم أمر هين يانبيل؟شعر نبيل وهو ينظر الى ماجد بشيء من الخوفولم ينطق بحرف، أما ماجد فقدأصبحت لهجته قاسيةبعض الشيءـــ هل تعرف أنني زرت أمك منذشهرين؟ازداد اضطراب نبيل وأردف ماجد:
لقد كانت مريضة جدا وحين سألتهاعنك..
سكت ماجد قليلا ليراقب وقع كلامه على نبيلالذي بدأ جسده يرتجفـــأتعلم ماذا قالت عنك؟امتلأت نظرات نبيل بالخوف وكأنه يعلم الجوابوأكملماجد:
لقد كانت تتمنى أن تراكتنفس نبيل الصعداء وكأنه ارتاح لهذهالكلمات ثم قال:
كفى يا ماجد لقد قررت أن أزور والدتيمنذ أنالتقيت...بالآنسة زمردةشعر ماجد أن نبيل يريد أن يصل الى حاجة في نفسه من خلالحديثهوتابع نبيل:
لذلك...لذلك سأذهب أولا لأشكرها ثم أقوم بزيارةأميابتسم ماجد ابتسامة عريضة أربكت نبيل وقال:
وتريد مني أن أدلك على منزلزمردة أليس كذلك؟ـــ أأ..أجلـــ إذن سنذهب اليوم معا الى منزلها،بالمناسبة هذه الفتاة هي ابنة رجل ثري جداـــ حقا! هذا غريبـــ وماالغريب؟ـــ لم يبدو عليها ذلك..أعني..
ـــ تعني أنها ليست متغطرسة؟ـــهذا صحيحـــ ليس كل الناس سواء يا صديقيفهناك الغني المتواضع والغنيالمغرور والفقير المتواضعوقد تجد فقيرا عزيز النفس..
ليس الأمر بالمال يانبيل ومن الخطأأن تحكم على شخصية المرء من خلالحالته المادية أوالإجتماعية..
إنها طبائع البشر يا عزيزي وصعب علينا أن نفهمها.
نهض ماجدوصديقه نبيل يلاحقه بنظرات الإعجابــ حسنا هيا بناـــ الى أين؟ــ ـسنتناول أولا الغداء من يدي زوجتيثم نذهب الى قصر السيد شاكرأشرق وجه نبيلوكأن الحياة عادت له من جديدبعد أن دفن نفسه فيها وللرواية بقية