الحمد لله رب السموات والأرض، الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النّور، الذي يهدي الضال ويعفو عن السيئات.
اللهمّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، تعرف سرّ قلبي، عليك توكلت، أشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا ( صلى الله عليه وسلم) عبده ورسوله، هو أسوتي في العبادة الحقّة لله.
يظل التنصير خطرا داهما، كل مسلم مدعو لمجابهته، ليس بالعدوان، لكن بتحصين كامل ضد هذه الآفة التي تأتي لتضاف إلى مختلف الظواهر التي تهدد مجتمعنا الإسلامي عامة، ومجتمعنا خاصة.
بعيدا أن يكون هذا الكتاب شبه اضطهاد، ما هو إلا إيقاظ لضمائر من يجهلون هذا الخطر.
وهي نجدة للنصارى الذين – ربما – هم مرهقون بالشكوك، وهي كذلك ذكرى لأولئك الذين يصرون ويتشبثون في ضلالهم، في هذه العقيدة الخاطئة المحرّفة، والتي هي بعيدة عن أن تعتبر كرسالة حقّة من الله إلى الناس.
إذن بدافع الحبّ للحقيقة والاحترام الذي أكنّه تجاه جميع المسيحيين، خاصّة أولئك الذين كانوا في الماضي إخوة لي في الإيمان، أتوجّه إليهم بالنية الصادقة، والباعث على ذلك واجب تنبيههم تجاه الشذوذ الموجود في الإنجيل.
يا أيها النّصارى إنّي لا أشك في صدقكم، ولا في حبّكم لله، ولا في النّور الذي ترونه في كلام عيسى ( عليه الصلاة والسلام )، ولا في نشوة الإخاء التي تعيشونها معا.
إنّي أطرق باب قلوبكم، ودعوني أبوح لكم بقصتي التي سأحكيها لكم بكل وفاء، لا تتسرعوا في الحكم عليّ، لكن ابدؤوا أولا بفهمي.
دعوا إذن جانبا أحكامكم المسبقة، ولنبحث معا عن الحقيقة بكل موضوعية، ولندعوا الله ليهدنا سواء السبيل لأنّ :" كل من يدعو يستجاب له، وكل من يبحث يجد، ويفتح لكلّ من يدق الباب " كما جاء في العهد الجديد.
...أحكي لكم شهادتي عسى أن تكون نافعة لكم، إن شاء الله، وأعلم علم اليقين، أنّي لست الوحيد الذي مرّ بهذه التجربة، والكثير من النّصارى سيعرفون أنفسهم من خلال هذه الشهادة.
(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ) [سورة: الأعراف - الأية: 176].
سفر التكوين أو بداية المأساة
في سنة 1995، سنة اعتناقي للنصرانية، كانت الجزائر في أوج الغليان، الركود في كل مكان، وعلى جميع المستويات، منطقتنا القبائل، لم تلمسها حقا ظاهرة الإرهاب، ولكن كنّا نعيش المقاطعة الدراسية، ولست بصدد تقديم درس في التاريخ، ولكن لأصف لكم كيف كانت تلك الحالة مرتعا خصبا لأكون فريسة للتنصير.
كان عمري آنذاك 20 سنة، وكنت طالبا ثانويا، إيماني بالله كان دائما في قلبي، ولم أشك أبدا في وجود الله، أليس كل هذا الخلق وهذا التنظيم الرائع والمنسجم للكون والحياة، يشهد على وجوده ؟! (إِنّ فِي ذَلِكَ لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ) [سورة: الرعد - الآية: 3]
لكن : " قال الجاهل في قلبه : لا يوجد إله !" ( مزامير : 14 نص 1).
عبادة الله كانت دائما بالنسبة لي أمرا محوريا وجوهريا، كنت أقول في قرارة نفسي : يوما ما حتما سألتزم في سبيل الله... أعترف أنّني كنت في تلك المرحلة لا أعرف شيئا عن الإنجيل، وأنّ معرفتي بالإسلام كانت سطحية.
لم أقرأ قط القرآن الكريم، سوى بعض السور والآيات، شيء غريب، أغلب النّاس يقرؤون مختلف الكتب التي هي أقوال البشر، ولكن لا يقرؤون القرآن، كلمة الله إلى البشر... لا نعرف أيّ " سحر " يصدّ الناس عن قراءة هذا الكتاب، هل هو مخصّص فقط للأئمة ؟!
في تلك المرحلة لم أكنّ متديّنا، ولا ممارسا لواجباتي الدينية.
كانت المطالعة تسليتي المفضّلة، فكانت بالتالي ملاذي الوحيد للهروب من الغمّ اليومي : الروتين والقلق.
لقد كانت قراءاتي عامة، تقوم أساسا على الفكرة الغربية، الفكرة التي لا تنفصل بتاتا عن أسلوب الإنجيل، فكان من الصعب جدّا الهروب من التطلّع على زيادة المعرفة بهذه العقيدة، إذ كنت ألتقي دوما بكلمات من الإنجيل، مثل : " تحابوا فيما بينكم "، " أحب الربّ من كل قلبك، بكل روحك، وبكل أفكارك ".
هذه الكلمات أثرت فيّ بعمق، لأن ميلي إلى الجانب الروحي كان مفرطا جدّا، إلى درجة أنّي كنت أصاب بالذهول أثناء قراءتها، وهذا ولّد لديّ رغبة ملحة وعارمة لقراءة الكتاب المقدّس، فقط قراءته، وليس لكي أتنصّر !!.
كانت في قريتنا عائلة نصرانية جزائرية كنت لا أعرفها جيدا خاصة ربّ العائلة الذي كان يعيش في عزلة تقريبا.
لا أدري كيف أصفهم ؟ كانوا مسالمين محترمين محبوبين...وبكلّ إيجاز واختصار : كانوا نصارى صادقين يُنَفّذون وصايا يسوع بقدر المستطاع.
فبدأ اهتمامي بهؤلاء النّصارى، يزداد أكثر حتى وضعت نصب عيني هدف تزويدي بالإنجيل، فاتّصلت بإبن هذا النّصراني الذي كان شابا في مثل سنّي، أخذ كل واحد منا يقترب من الآخر، وكنّا كثيرا ما نتحدث عن مواضيع روحية حتّى أصبحنا متجاوبين معا، إلى غاية اليوم الذي وعدني فيه بإحضار العهد الجديد وكتاب حكم سليمان.
وهو ذاهب إلى السفر أوصى والديه بإعطائي الكتب، اليوم الذي بعده – إن كانت ذاكرتي قوية وجيدة – ذهبت إلى أبيه لآخذ التصانيف الموعودة، وأثناء تلاقينا، قررنا السير لتبادل أطراف الحديث... أحضَر الكتابَين...وضعهما في جيبه... وذهبنا في نزهة... لن أنسى أبدا ذلك الوقت الذي أمضيناه معا، حقا لقد بهرني الرجل في ذلك اليوم، لا جرم أنّه كان يعيش في عزلة، لكنه يخفي حتما أمورا ما!.
ونحن نسير معا، قبل غروب الشمس، كان يحدثني عن حياته، وعن التغيير الذي أحدثه فيه يسوع، وفسّر لي كيف كان يعيش فيما مضى في الظلمات والذنوب، وكيف أنّ يسوع أنقذه، وأخذه إلى النّور، والطمأنينة والسعادة.ومنذ تلك اللحظة وآلة الاقتناع بدأت تفعل فعلها فيّ طبعا، كان الرجل يظن أنّ الروح القدس هو الذي يساعده في الوعظ، أما أنا فلم أكن أعلم أنّه كلما توغلنا في ظلام الليل، كلما توغلت في ظلام التنصير.
إنّ خطة الوعظ عند المنصّر يتمثل في إقناع الشخص الذي يعظ، والإثبات له بأنّه نجس، دنس، غارق في الظلام، وذلك طبعا لفطرتنا، لأن أبوينا – آدم وحواء ( عليهما الصلاة والسلام ) – هما أول من أذنب، وبعد أن يقتنع الشخص بهذا، يعرفه بالوجه المخالف، قداسة الربّ، مجده، طهره، مما يجعل الشخص في حيرة من أمره :
فكيف يمكن له أن يتوب إلى الله المقدس الطاهر، وهو ملوث بالذنوب والدنس؟
يتبع...............................