وكأنها تصرخ بوجه كل الخطوط الحمراء هذا عيب وذاك ممنوع!!
لكن دواخلها قد بلغت سن الرشد الآن
وأين قد يجدها ذلك الفارس ؟
وهي تختبيء خلف خجلها الذي يحاول أن يلغي بتسلط
أحلامها كأي فتاة اخرى
من مكتبه الذي يطل على الشاطئ كان يتأملها
إنها هي مرة أخرى كل يوم في نفس المكان تجلس لوقت طويل لا تنتظر أحداً ولا أحد ينتظرها وكأنها تلتقي ذاتها هناك
وجد نفسه قد أدمن مراقبتها ربما هي الحدث الأكثر تشويقاً في يومهِ ثم صار فضوله رغبة عارمة ليعرف سر تلك الفتاة
بالأمس مرَّ من أمامها كانت فاتنة بذلك الوجه الطفولي
جدائل شعرها المُتموجة المُرسلة إلى الخلف أوجدت في أعماقه ألف سبب لِ لقائها
ربما ستخاف وتهرب وتنقطع عن المجيء اقترب منها ثم
بادرها مساء الخير
تطلعت صوبه بفزع وكأنه ضبطها مُتلبسة بجرم التأمل وحدها !
خرقت كل قوانين حيائها حين سمحت لعينيها أن تلاقي عينيه وقد تشابكت مشاعر الخوف والخجل وتلك النشوة التي تحدث في مكان ما من الروح لتطفو على الجلد قشعريرة وتحول القلب إلى مساحة استيقاظ الأحلام
لكِ هذا القلم آنستي..؟
بالأمس وجدتهُ هنا فظننت أنه لكِ إنه ثمين لابد أنه هدية تفضلي
مد يده بالقلم مبتسماً مدت يدها بارتياب تأملت القلم ثم أعادته أشكرك لكنه ليس قلمي ..دون استئذان جلس بجانبها فرحاً بسماع صوتها الدافئ الحنون حسناً خذيه فقد لاحظتك تكتبين أحياناً مادام صاحبهُ لم يسأل عنهُ إذاً هو لكِ ابتسمت مُترددة
أرادت أن تحسم الأمر أنت أولى بهِ فأنتَ من وجدهُ
أنا أحب القراءة لكن لا أكتب ثم وضع القلم بحقيبتها تطلعت صوبه وقد صبغت حمرة الخجل خديها
شكراً لك وابتعدت وكأنها تذكرت أنهُ شخص غريب
لماذا تجيبه على أسئلته ؟ ثم عفواً
هل كنت تراقبني ؟ هل تسكن قريباً من هنا ؟
ربما لأن نافذة مكتبي تطل على الشاطئ وتصادف أني لمحتكِ هنا دون قصد عدة مرات
صمتت رغم شعورها بالارتياح وهي تحاول أن تهرب من الحوار الذي تشعب دون قصد منها نهضت بسرعة أرجوك خذ القلم لقد تأخرت مع السلامة وركضت مُبتعدة دون أن تلتفت لهُ ماكان من داعي لتقولي له مع السلامة قالت في نفسها ربما كانت محاولة جيدة للاقتراب منها هكذا شعر لحظتها
تلك الليلة لم تفارقها ابتسامة ماكرة وعيناها يتلألأ فيهما بريق الفرح والحيرة لقد أخرج القلم من جيبه ربما أراد حجة للحديث معي
بضع مرات أعادت شريط ذلك الحوار القصير المنعش
وإحساس بنكهة جديدة لم تألفها تسرب إليها وهي تشعر أنها تنام في حُضن غيمة
المقعد الخشبي ظل خالياً في اليوم التالي
ويومان آخران غطت أوراق الخريف الصفراء ماكتب على تلك المصطبة
خطواتها هذه المرة أكثر ارتباكاً وهي تقترب من الشاطئ
فقط بنظرة صغيرة حاولت أن تلمح النافذة الزجاجية في الطابق الثاني
لم تكن تريده أن يضبطها تفتش عنهُ
أزاحت أوراق الأشجار المتراكمة على المقعد الخشبي
انضغط قلبها وهي ترى عبارة أخرى محفورة قرب عبارتها
((طال انتظاري للياسمين))
وبسرعة استعادة تلك اللحظات ارتباكه وسامته كلماته
هل عليها أن تبقى أو أن ترحل ؟ ماذا تريد هي ؟
تمنت لو أن القدر يصنع شيئاً في تلك اللحظات
لكنه لم يفعل
مر الوقت سريعاً لم يظهر ذلك المتطفل الذي ألقى الحصى في نهرها الساكن
فأحدث تلك الضجة الرقيقة
أصابعها مرت مراراً فوق حروفه على المقعد الخشبي
بضع خطوات ابتعدت عن المكان
توقفت مترددة
جالت بنظرها في المكان لم يكن أحد هناك
اقتربت من مقعدها كتبت شيئاً وغادرت بسرعة .........
لم يكن من أحد قد مر قرب المقعد الخشبي
لبضعة أيام
لازالت النافذة الزجاجية مسدلة الستائر
والأوراق الصفراء تغطي تحتها طفولة حب محفورة بخجل
بدا وجهها أكثر اشراقاً ونبضاتها أكثر سرعة حين أزاحت الغطاء الخريفي عن كرسي الرسائل الخشبي علّها تجد رداً منهُ
لكن رسالتها الأخيرة ظلت وحيدة كوحدتها هي
أحست أنه لم يمر من هنا
كلمتان وحرف واحد فقط كل ما استطاعت حينها أن تضعه جواباً لذلك المتطفل الذي مر كالحلم
((كنت هنا...أ))
لم تستطع أن تكملها (( أنتظرك )) شعور الاحباط والندم بدأ يحتل دواخلها
ربما تسرعت قليلاً ربما هو لم يكن يقصد شيئاً
ماهذا ماذا أفعل بنفسي ؟؟
تباً له لن أهتم لأمره بعد الآن
فتحت حقيبتها تبحث عن قلم لتمحو تلك الحروف لتلغي ذلك الوهم
هذا القلم لكِ آنستي
الصوت القادم من الخلف كان هذه المرة بنكهة أخرى
التفتت وقد تبددت تلك الثورة العارمة بداخلها
وعاد ذلك الشيء الذي بدأ ينمو وينمو في أرجاء قلبها
ومن جديد تلاقت عيونهما ملامح وجهها تمردت هذه المرة عليها
ابتسامتها المشرقة كانت ردها الأول
لازال يمد يده التي تحمل ذلك القلم ولازالت هي متجمدة الأطراف
لكنها أخيراً أجابت كلا سيدي أنه لكَ وربما ما عدت أحتاجه
أطرق بخجل وتلعثم قليلاً
نعم آنستي إنه لي
عادت لها تلك الابتسامة الماكرة وهي تهمس لنفسها كنت أعرف ذلك
لكنه استطرد
لكن لم يكن باليد حيلة لأتقرب منك
لطالما تمنيت أن يحدث ما يحصل الآن
كنت مريضاً في الأيام السابقة نسيت كل شيء لكن الشيء الوحيد الذي لازمني قرب سرير المرض هو أنتِ
أطرقت بخجل في لحظة كأنها كانت تذوب دواخلها
تناولت القلم منه وراحت تكمل آخر رسالة لها