العودة   منتدى قرية عرمان السويداء جبل العرب الأشم > المنتديات الأدبية والثقافية > منتدى المواهب الادبية

منتدى المواهب الادبية قسم مختص بالمواهب الادبية والابداعات والمواهب الشخصية والفردية

 
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
قديم 05-26-2010, 06:28 PM   #1
حاتم العطواني
عضو متميز
 
الصورة الرمزية حاتم العطواني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
الدولة: الإمارات - أبوظبي
المشاركات: 849
معدل تقييم المستوى: 17 حاتم العطواني is on a distinguished road
من مواضيع حاتم العطواني منوعات اغاني
رد العنا يا ولف
عيد الجلاء
تخيل يقبض عليك الجيش الروسي
قصيدتي انتي عنوانها
افتراضي حديث الياسمين

أتحدثُ إليها بلغة النور حتى تستطيعَ أن تفهمني , أسمعها بروحي الباطنية المبتلةِ بالإيمان لأتمكن من ترجمة تراتيل الصلاة في أحرفها , ماذا أخبركم عنها ..؟ هي ككل الأمهات , ما إن تفتحُ عينيها في الصباح تستفيق الطبيعة , يستعيدُ الورد عطرهُ المسلوب و المسجونُ بسواد الليل , هلّ أحدثكم عن قصة أمي وشجرة الياسمين ؟ يومَ اغتّرت تلكَ الشجرة و عانقت عمودَ الحجرِ بمطلعِ بيتنا الريفي الجميل و التفت حولهُ كيدِ عاشقٍ يلقى محبوبتهِ بعد سفر طويل , تدلى من قمة الشجرة غصنٌ أثقلتهُ أزرارُ الياسمين , كعادتها أمي خرجت في الصباح ليسرق الشروق من نور وجهها أشعتهُ الأولى , نظرت إليهِ تلك النظرة التي لا تغيب وكأنها تقولُ له سارع في أشتقاق النور من وجهي عليّ أن أسقي شجرة الياسمين , ثم استدارت وثوبها الأسود المطرز يستدير وتستدير الكرة الأرضيةُ معها , وتلتفُ فراشاتٌ زرقاء وخضراء . تفتحُ صنبورَ الماء لينحدرَ على راحتيّ يديها ثم تلقيهِ برفقٍ على كعبِ الشجرة , يمرُ عشراتُ العشّاقِ بجانبِ الشجرة التي تتكئُ على سور البيت , كلٌّ منهم يقطفُ ياسمينةً لحبيبتهِ , وفي موعدي الأول قطفتُ ياسمينةً و شممتُها , فتخللَ بروحي عطر راحتيّ أمي ... وكانت تتكرر القصةَ كل يوم حتى صارَ هاجسي الوحيد أن أستيقظَ قبل أمي لأراها من نافذة غرفتي المطلة على شجرة الياسمين , وكنتُ أرى قطرات الماء التي تنسلُّ بغفلةٍ من راحتي أمي , فما إن تلامسُ أرض ساحة البيتِ حتى تنبتَ ياسمينةٌ أخرى ..
أمي التي علمتي القراءة والكتابة وكيف أتلو صلاة العشقِ , وكيفَ أكون أنا

بغيرِ أرادة بدأتُ الكتابة وكتبتُ " أمي أسمى آياتُ الله و أخر وطنٍ أسكنهُ و آخرَ رايةٍ تُرفعُ للحرية و آخرَ مثوىً لذكرى جسدي , فليسَ للقصائد نهاية , أمي نهايةُ كل قصيدة وتكملةُ الصباح الممتدِّ بينَ السماء وحجرة الله "
أتذكرُ أولَ مرةٍ رأيت دموعَ أمي كنت ولداً أكبرَ همومي كرةً طارت خلفَ السور , شعرت حينها بشعور الغمام حينَ يبعثُ المطر , وبشعور الجبالِ حينَ تذوبُ قممها الثلجية , ولكن لم يمنعها بُكائها من أن تبتسمَ لذاك الولدِ الجافل الواقف أمامها الذي رأى شيئاً كانَ يتمنى أن يموتَ قبلَ أن يراه , كانَ صباحاً تشرينياً عوت فيهِ الرياح فتمزقت ورودُ الحوضِ الشتوية التي كانت أمي تربيها بكل رفقٍ , حملتْ رفاتَ الوردِ و وضعتهُ في وعاءٍ مملوء بالماء وعادت تنظرُ إليهِ كأنها فقدت أحداً من أولادها , أدركتُ ثانيةً شدة الوفاء للطبيعة , وعلى أثرِ هذهِ الحادثة جلست تحدثني عن أمٍ في الأرضِ المقدسة تفقدُ كلَّ يومٍ ولداً أو أخاً ..
و كانتْ تأتي لي بكتب الشعر للفرزدق و أبو الرقيات وجرير والأخطل ودرويش .. وغيرهم لتقرأهم لي , كنتُ أجلسُ مستكيناً أنظرُ إلى ذاكَ البريق الذي يستقر عيناها كما تستقرُ ظلالُ شجرةٍ على وجهِ الغدير ,, غيرَ مدركٍ أني سارتحلُ عنهما إلى أبديةٍ شاءها القدر , كل يومٍ أتذكرُ موقفاً فاكتشفُ عن أمي طيبةً اخرى , أمي نبعُ الطيبات

خطت لي أحرفها الأولى وقالت :
كيفَ ادخلُ عليكَ وقلبي بهِ وجعٌ وعيناي في وَجلُ ..
عجّل في خطاكَ يا ولدي أنّ الركبَ قد همَّ مرتحلُ ..
أذهب مسرعاً لتعودَ مسرعاً هذا الفؤادُ ما عاد يحتملُ ..
هذا الغيابُ يطعَنُني وإلى بقائكَ في حضني قد تاهت السُبلُ ..
لمن بينِ اخوتكَ تدركُ ألمي , أنتَ اولهم وفيكَ الرجاءُ والأملُ ..
أن الرحيلَ بات جزءاً من تاريخي ولا يدركُ شعورُ امرأةٍ ألفُ رجلُ ..

يكفي أن أهمس أسمكِ حتى تبتل حنجرتي بالماء , وتسرق البلابل من صوتي سمفونياتِ عشقٍ ستخلدُ في معزوفات الحب الخالدة ...
أمي أنشودة السماء
و أولُ الطيبينَ
و آخرُ الأنبياء ..
و طهرُ اليدينِ كتابٌ مقدسٌ
وهذا الحضنُ للصبرِ إناء ..
محكومٌ أنا يا أمي بالذهاب
أنا من باتَ الرحيلُ جزءً مني
و أول بندٍ في قدري والقضاء ..
تسافرُ إليكِ كل صباح آلافُ البلابل
و ملايين الفراشاتِ ونقاءُ النقاء ..
ومنكِ أول الدروبِ إلى الجنة
و أول خطوةٍ لهذا الإرتقاء ..
وهذهِ الرسالةُ السادسة أكبتها لكِ
بحبر العيونِ وحبرِ الدماء ..
أيتها الأرجوانيةُ الساكنةُ
بينَ الأفقِ وشفاه هذا المساء ..

أمي لسان الطبيعة و جرحُ الياسمين
و أنهارُ عقيقِ تجري من مقلتيها
و من هذا الألمُ الدفين ..
أمي عنّابٌ ممزوجُ بروح النبيذ
و مساءٌ وردي الشرفاتِ وكأسين ..
وشعلة نارٍ متقدة تحرقُ أحزاني
هل سألتم يوماً أنفسكم
كيفَ يتخلصُ الأبنُ من وجههِ الحزين .. ؟
__________________
حاتم العطواني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع كتابة مواضيع
لا تستطيع كتابة ردود
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع إلى


الساعة الآن: 07:20 PM


جميع التعليقات والآراء والمقالات تعبر عن رأي اصحابها فقط

 ولا تعبر عن رأي أو سياسة الموقع

جميع الحقوق محفوظة موقع بلدة عرمان