تشتهر بشيء واحد فقط؟... وهي على الأغلب تستمد عظمتها منه، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تقاس آثارها التي لا مثيل لها في العالم إلا في مدينة "روما" البيزنطية، أو بلوحاتها الفسيفسائية الأكبر والأغنى، أو بتلالها البركانية المحيطة بها من كل الاتجاهات، والتي تشكل ثروة وطنية لا حدود لها، ولا بأرضها الخصبة، أو بكرمتها الشهية.
عندما كان "المسيح" عليه السلام ماراً من جوارها يدعو باسم الله الواحد، فتنه الجو الخلاب، والطبيعة الرائعة، وقرر المكوث في التل الذي حمل اسمه بعد ذلك، ولما كان الرسول العربي "محمد بن عبد الله" (ص) مسؤولاً عن تجارة "خديجة بنت خويلد" ووصل إلى أراضيها أوصى بعد ذلك أصحابه أن يبقوا على تواصل دائم مع هذه الأرض الخصبة، وعندما خرج منها "فيليبو بولس" باتجاه "روما" عاد إليها قائداً كبيراً، وأخلص لها وبناها كما يريد صورة مصغرة عن عاصمته الشهيرة.
مات "فيليب" قبل أن يكمل مشروعه في المدينة، وكان أن قرر أحد أمراء الحرب آنذاك أن يحتل حاضرة الشرق، ويستولي على خيراتها، فحاصر المدينة المحصنة زمناً طويلاً بلا أي فائدة، ودب الجوع والعطش والمرض بين جنوده، وبدأ اليأس يأكل قلبه، ألا تستسلم هذه الحجارة؟! ومن أين يأكل هؤلاء البشر، أو من أين يشربون بعد كل هذا الحصار الطويل وهم يزيدون على سبعين ألف نسمة؟. أسرج حصانه باتجاه الشرق حتى وصل إلى تلة عالية وراح يفكر في خيبته الكبرى، وبمحض المصادفة مر سرب حمام مهاجر أمامه، وظل يسبح في الفضاء حتى وصل إلى سور المدينة، ونزل هناك يستريح، ركب الأمير جواده عائداً بسرعة البرق باتجاه السور محاولاً كشف السر الذي بحث عنه طويلاً... كانت الحمامات تشرب الماء من هناك في الأعلى، وتأخذ قيلولة قبل الرحيل، والأمير غارقاً في الضحك من غبائه!.. أيعقل أن الماء يصعد إلى الأعلى كل هذه المسافة؟ أمر جنوده بالحفر عند كعب السور، واكتشف الأقنية المائية التي تهدر قادمة من التلال العالية لتصل إلى السور وتتوزع في أرجاء المدينة، وما هي إلا أيام قلائل حتى استسلمت لقدرها المحتوم الذي جاءها على يد الحمام. وبقيت هكذا زمناً طويلاً، يأتيها سفاح لينهبها بالطول والعرض، وهي في كل مرة تخرج من بين الرماد، ساطعة كنجمة الصبح، تهدي للبشرية كنوزها الخالدة، وما زالت تحتفظ بسحرها وسرها الذي لا يمكن لحاسد أن يهدم أسواره بفضل ساكنيها، أعرفتم من هي؟ إنها "شهبا" مدينة "فيليب العربي"، مدينة الحياة والسلام.