هناك عدد من الشعراء الذين قادتهم قصائدهم إلى الموت
ولأن طريقة قتل كل شاعر تختلف عن شاعر آخر , وكذلك قصيدته , فإن الأوجع يبقى أكثر دليلاً, و ربما الأكثر تأثيرا ....
و خاصة إذا عرفنا أن شاعرنا ( المقتول ) قد كتب طوال حياته قصيدة واحدة فقط لا غير ــ يتيمة ــ وهذه القصيدة كانت ثمنا لحياته ....
القصيدة القاتلة هنا هي اليتيمة
تلك القصيدة التي ذاع صيتها بهذا الاسم بعد أن سميت بأسماء أخرى كــ دعد , ولعل تسميتها باليتيمة لكونها وحيدة لا شبيه لها نظرا لقوة سبكها و روعة تشبيهاتها و معانيها وسلاسة صياغاتها و وضح مقاصدها
كما أن كاتبها لم يكتب سوى هذه القصيدة
حيث أن هناك فتاة من الأعراب كانت تسمى دعــــد ...
طلبت هذه الفتاة قصيدة لم تشهدها العرب تكون مهراً لزواجها
فكتب شاعرنا المقتول الذي سيلي ذكر اسمه لاحقاً هذه القصيدة كغيره من الشعراء الساعين لنيل حب دعــد
و أثناء سفره إلى دعد قابله اعرابي في الطريق
قال الأعرابي : أين وجهتك ..
قال شاعرنا : إني ذاهب لنيل دعد
قال الأعرابي : مهر دعدٍ قصيدة لم تشهدها العرب
فقال شاعرنا : ها هي
فطلب الأعرابي من شاعرنا سماع هذه القصيدة
فأعجب بها
فما كان من هذا الاعرابي إلا أن قتل شاعرنا و أخذ القصيدة إلى دعد
فعرف بنفسه أولا ثم قرأ القصيدة
فعرفت دعد من الابيات التي سمعتها أن كاتب هذه القصيدة ليس هذا الذي أمامها
حيث يقول أحد الأبيات :
إن تــتهمــي فـتهامة وطني
أو تــنجــدي ، يكن الهوى نجدُ
و كان معنى البيت أن الشاعر من نجد بينما الأعرابي (السارق) لم يكن نجدياً لأنه في البداية عرف بنفسه و بمكانه الاصلي ( طبعا غبي جدا )
فصاحت دعد و قالت : أقتلوا قاتل بعلي
فقتلوه بنوا قومها
إليكم ابيات القصيدة
القصيدة اليتيمة تضم ستين بيتاً ...
وهي للشاعر دوقلة المنبجي
وفيها يقول :
هــل بالطلــول لــسائــل ٍ ردُّ
أم هـــل لهـــا بـتكلّم ٍ عهـدُ
دَرَس الجديدُ ، جديدُ معهدها
فــكأنمـــا هــي ريطــة جردُ
من طول ما تبكي الغيوم على
عَـــرَصــاتِهــا ويقهقــه الرعدُ
و تــلُـــثُّ ســـاريـــةٌ وغاديـــةٌ
ويــــكرُّ نحــــسٌ خلفه سعدُ
تـــلــقـــاءَ شــاميــةٍ يمانيــة
لــهــا بــمــورِ تُــرابـها سَردُ
ف**ت بــواطنها ظواهرهـــا
نــــوراً كـــأن زهـــاءه بـــــرد
فوقفت أسألها ، وليس بهـــا
إلا الــمهـــا و نـــقــانــق رُبد
فتبادرت درر الشؤون عــلــى
خـدّي كـــمـا يتـــنــاثر العقد
لهفي على(دعد)وما حفلت
بـالاً بــحــرِّ تلــهفـــي دعــدُ
بيضـاء قـــد لبس الأديم بهاء
الحسُن ، فهو لجِلدها جِلـــد
و يــزيـــنُ فـــوديها إذا حسرت
ضــافـــي الغدائر فاحمٌ جَعــد
فــالوجـه مثل الصبح مُبيضٌّ
والشعــر مــثــل الليل مسودُّ
ضــدّانِ لـمـا استجمعا حسُنا
والضــدُّ يــظهــر حُسنه الضــدُ
وكـــأنهـــا وسنَــى إذا نظرت
أو مـدنـف لــمَّــا يُفِـق بـــعـــد
بــفتــور عيــن ٍ مــا بهـا رمَدٌ
وبـــهـــا تُــداوى الأعين الرمدُ
وتــريـــك عِـــرنـيـناً يــزيّــنـه
شـمــمٌ ، وخــداً لــونــه الوردُ
وتــجيــل مسواك الأراك على
رتـل ٍ كــأن رضـــابــه الشهـد
والــصـــدر مــنهــا قــد يزينه
نــهــدٌ كــحــقِّ العاج إذيبدو
والمعصمانِ ، فما يـرى لهمـا
مـــن نــعمــةٍ وبــضاضةٍزنــد
ولـــهـــا بـنــان لـــو أردت له
عــقـــداً بــكفـــك أمكن العقد
وكـــأنمــا سُـــقيــت ترائبها
والنحـــرُ مـــاءَ الــورد إذ تبــدو
مــا عابها طــول ولا قِــصَـــر
فـــي خلقهــا ، فقوامها قصـد
إن لم يكن وصل لــديك لـنــا
يشفي الصبابة ، فليكن وعــد
قــد كــان أورق وصلكــم زمناً
فــذوى الـــوصــال وأورق الصد
لله أشــواقــي إذا نــزحــــت
دار بـــنـــا ، وطـــواكـــم البعــد
إن تـــتهمــي فـتهامة وطني
أو تــنجــدي ، يكن الهوىنجدُ
وزعمـــت أنـك تضمرين لـنـا
وداً ، فــهــلاّ يــنفــع الــــــودُّ !
وإذا المحب شكـا الصدود ولم
يـــعطـف عليـــه فقتلــه عمد
نختصُّها بالود ، وهي علــى
مــالا نــحــب ،فــهكذا الوجـــد
أو مـــا تــرى طمــريَّ بينهما
رجـــل ألــــحّ بـــهــزلـــهالجـد
ولـــقــد علمــتُ بأننـــي رجلٌ
فــي الصالحــاتِ أروحُ أو أغـدو
سلمٌ على الأدنى ومرحمـــةٌ
وعــلى الحـــوادث هــادن جَلدُ
مـتـجلبــب ثـوب العفاف وقــد
غــفــل الــرقيـب وأمــكـن الوِردُ
و مجانبٌ فــعـل القبيح ، وقـــد
وصــل الحبيب ، و ساعد السعد
ليــكــن لــديــكِ لسائـل ٍ فــرجٌ
أو لــم يكـــن.. فليحسن الـردُّ
*************************************